االحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا

مأساة شاب يرقد «عارياً» دون حركة منذ ٣ سنوات مصاباً بـ«فيروس فى الحبل الشوكى»




شيئان لا يفارقان هذا الشاب منذ ٣ سنوات وشهرين و١٥ يوماً..ابتسامته ومرضه النادر.. يتعجب جيرانه وأقاربه وأصدقاؤه من الأمرين.. «الابتسامة والمرض».. فى ليل الشتاء القارس يرقد الشاب عاريا وتكييف يعمل على البارد، يعمل بقوة فى غرفته.. جسده لا يتحمل ملابس.. جسده لا يتحرك نهائيا منذ بدء المرض.. فقط هو «لسان عذب» يمتعك بكلمات ودعوات وطلب مؤكد: «ادع لى الله بالشفاء» و«رأس يتحرك» وعينان لامعتان، تحاصرهما الدموع أحيانا..على بعد خطوات منه يجلس الأب بأحزان وأمراض أيضاً تطارده.. الأم وشقيق الشاب «يتبادلان خدمته»..
المرض هو «التهاب فيروسى بالحبل الشوكى» تسبب فى شلل رباعى.. رحلة «المرض والعذاب» رافقتها رحلة قاسية مع أطباء كبار ومتخصصين فى جامعة أسيوط وأشهر الأطباء فى القاهرة والإسكندرية.. والنتيجة: «لا جديد».. أدوية ونفقات لا ترحم أرهقت أباً، معاشه من الحكومة ٦٠٠ جنيه بعد ٣٥ عاماً من الخدمة..
التفاصيل ورحلة مريض لم يغادر غرفة مساحتها ٤ أمتار فى ٤ لمدة ٣ سنوات وشهرين.. تحملها السطور القادمة.. عذاب مريض لا يرتدى ملابس فى الصيف أو الشتاء عدا قطع صغيرة تستر عورته.. السطور القادمة تحمل مأساة شاب ينتظر الدعوات وتدخل متخصصين من الأطباء يضعون السطور الأخيرة فى رحلة المرض.. ينتظر تدخل حاتم الجبلى، وزير الصحة، تلك الوزارة التى خدم فيها والده ٣٥ عاماً وتعطيه الآن ظهرها بقوة وعنف.
سيد محمد السيد عبدالحافظ «٢٣ سنة» سمح بـ«تصويره» بعد أن اشترط أن يرتدى «قميص وبنطلون» وهو يقول: «علشان الصورة تطلع حلوة وبها وقار».. تحدث الشاب الذى يعيش فى قرية شطورة فى سوهاج عن المأساة.. قال بهدوء وابتسامة لا يقطعها سوى الدموع: كنت شاباً عادياً متفوقاً فى دراستى وحصلت على الثانوية العامة والتحقت بأحد المعاهد الخاصة فى القاهرة.. مدة الدراسة به ٤ سنوات..
حصلت فى السنوات الثلاث الأولى على تقدير جيد جداً..وفى منتصف عام السنة الرابعة عدت إلى بلدتنا فى الجنوب ولا أدرى ماذا حدث.. شعرت بصداع وتعب مفاجئ.. وبدأت الرحلة.. وجدتنى لا أستطيع الحركة نهائيا.. هرول بى والدى إلى مستشفى أسيوط الجامعى وفحصنى الأطباء وعدت بأدوية دون فائدة.. لن أتحدث عن رحلة العلاج والعرض على أطباء فى «كل شبر فى مصر».. وتأتى النتيجة نفسها..
أرقد هنا فى هذه الغرفة منذ ٣ سنوات وشهرين.. هكذا أمام التليفزيون وبجوارى تكييف.. أحضره لى أبى منذ شهور..أرقد دون ملابسى عدا قطع صغيرة تحمى عورتى.. ولا أعرف سر المرض.. لا أتحرك نهائياً.. فقط رأسى ولسانى وعيناى.. يؤلمنى كثيراً أن قدماىّ تتحركان لأعلى فجأة وأنقلب على رأسى ولا أعود إلى وضعى الأصلى حتى يحضر شقيقى أو والدى.. الآن أضع «أكياساً من الرمال تزن ٣٠ كيلو جراماً فوق قدمىّ حتى أواجه هذه الحركة المفاجئة».
لا أطلب مساعدة من أحد ـ الحديث للشاب ـ فقط أطلب خبرة طبيب يصف لى ماذا أصابنى وكيف يكون علاجى.. أسأل نفسى آلاف المرات: متى أعود إلى حالتى الأولى.. كيف أمارس حياتى الطبيعية.. أتحرك.. وأهرول فى الشارع وألتقى أصدقائى وألعب وأشارك فى الأفراح والمناسبات الاجتماعية.. يضحك سيد بقوة ويقول: «وبعدين أنا عايز أتجوز».
الأب، وخلف دخان سجائره، تظهر عليه بوضوح معالم المأساة.. أنفق كثيراً وباع كل ما يملك واقترض أكثر.. قال بصوت حزين: كنت أعمل مشرف تمريض طوال «٣٥ عاماً» وخرجت على المعاش وأحصل شهرياً على ٦٠٠ جنيه.. أعانى من قصور فى الشريان التاجى وارتفاع فى ضغط الدم واكتئاب منذ سنوات طويلة.. رزقنى الله بـ ٤ أولاد.. حصل ابنى الأكبر على ليسانس الشريعة والقانون وشاء الله أن يأتيه خطاب تعيينه يوم وفاته بعد أن أصيب بسرطان فى الدم.. الثانى حصل على مؤهل ولم يتعين بعد.. الثالث هو سيد.. يعيش برأس دون جسد.. طفت به على كل الأطباء فى مصر دون فائدة..
كل ما أسمع عن علاج جديد للخلايا الجذعية أهرول.. عرفت أن له علاجا فى دول أوربية.. لكن من يأخذ بيده وبيدى ويساعدنى.. هل تتدخل وزارة الصحة التى عملت بها سنوات.. هل يتحرك أحد من المسؤولين لشاب يرقد دون حركة منذ ٣ سنوات؟.. شاب محبوس داخل غرفة فى المنزل..
يخرج فقط عندما تحضر سيارة خاصة ونضعه فوق سرير بداخلها وتقطع ٥٠٠ كيلو متر من قريتنا إلى القاهرة بحثاً عن طبيب جديد.. ثم تعود بنا السيارة مرة أخرى.. ولسان حال سيد يقول: هل الرحلة القادمة ستأتى

بجديد.. ويكون ردى واحداً: «قول يارب»